الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

وكذلك كنتَ.. وكنتُ..






ابتسمتُ حينما رأيت منبه التقويم..
وتدحرجت غصة في حلقي مازالت لينة لم تغادر صدري مع وخزة متنقلة بين اضلعي..
كأن شيئاً عالق في رئتي مسنن الأطراف يتحرك مع زفراتي وشهقاتي ويحدث خدوشاً داخلي!!

السادس عشر من ديسمبر في مثل هذا اليوم كنت أجوب وادي الحياة على غير هدى جادة صارمة متعجلة..
أفتش عن العبث.. أرتب طريق المدى.. وأجر حقائب السفر التي لاتمسها فوضى..
مروري أشبه برشة عطر مهما دام لابد أن يتلاشى عبيره..
الالتفات في شريعتي ضعف.. والانتظار هزيمة.. والطرق مستديرة..
الخريف موسمي المفضل.. والوجع ملهمي الأصدق.. أميل للأحاديث الطويلة وأمل من الحكايات الطويلة..
لا أؤمن بالبقاء.. ولا الصدف إلا في اللقاء..
والحياة رحلة غامضة وأنا راحلة مدهوشة..

داخلي المزيد من التناقضات والمفارقات التي لا أعلمها..
وأنت فقط تعلم.

أتفقنا بداية أن "الضياع هو ان تعلم أين تريد.. لكن التيه هو أن تذهب خلف عبث خطواتك!"
وأضفتَ: في الضياع غالبا نكون في قافلة ما ورفاق من نوع ما.. أما في التيه تكون وحيدا

وكذلك كنتَ.. وكنتُ..

كنا في وقت مستقطع من العمر منفصلين عن الكل متصلين بالتية بحبل سري ينتمي للفضاء..!!
كان يجب أن نمضي لفضاء التيه المحتوي لكلينا..
لكنك ركلتَ فضاءكَ وتمخضكَ التيه وانقطع حبلكَ السري على أعتاب الضياع..

وقلتَ: تريثي!!

أخبرتكَ كذباً أن لا وقت لدي للتريث والحقيقة أني وضعت حملي كله - بمجرد أن قلتَ تريثي - لأني مُشبعة تيهاً..
ولم أكن أحتاج منك أكثر من كلمة لأقتنع..!!

واستندتُ على جذع سنينكَ وتعلقتُ بعينيكَ وضممتُ يديك ليديا وبدأت العد تنازلياً عشرون..تسعة عشر..ثمانية عشر..

أعلم وتعلم أننا لن نتجاوز عدد أصابعنا ضياعاً إلا وعدنا تيهاً..!!


لكننا آثرنا الضياع والانغماس فيه أكثر..وأوفر..
اخبرتني أن الغريب للغريب نسيب
دفعتك بكلتا يدي وقلت لك:حين يبقيان يعترفان بهذه الغربة..فحذاري تجاوز مساحة الغربة في محاولات للاستيطان!!

وسرعان ما جذبتك نحوي وأمسكتُ بيديكَ وضممتها ليديا وأكملتُ سبعة عشر..ستة عشر..خمسة عشر..


كنتُ أجلس على الدرجة الأولى والشمس تشاكس عيني نزلت للخامسة وقلت لك أحكي لي حكاية قبل وصول الضوء لعيني..
أنطلقت مترجلاً..مسرعاً تسابق سرعة الضوء..وبدأت:

( كان هناك رجل في محطة القطار يجلس ساكنا لم تكن ملامحه تقول شيئا وحينما هم بالركوب سبقته الى صف الكراسي الذي اتجه اليه امرأة مسرعة
جلسا متواجهين.. كانت مشغولة بحقيبتها بأشياء الانثى تقلب حاجياتها تنبش هنا وتزيح اشياء من اشياء..
وكعادته ظل ساكنا كان ينظر الى ارضية القطار وبالطبع الى قدميها..!
اجتاحه شعور ما ... بالفضول الشديد ربما .. عندما تمعن في حذائها ذلك النوع الذي يجبرك ان تتأمله
فصعد بالنظر ليرى انثى من نوع فاخر..
ليست الهيئة فقط ولا تصفيف الشعر ولا حركة الايدي ولا عبير ثيابها.. بل ذلك الوهج الذي لا تخطئه عين رجل!!
سريعاً أطرق ببصره الى ارضية القطار ولم ينتبه للوقت
توقف القطار في المحطة التالية.. فقفزت برشاقة من امامه..وكأنها تعمدت ان يراها تقفز مسرعة

هاله ان الوقت لم يكن احدى ممتلكاته!!
والحظ لم يكن مما يستطيع التحكم به!!

سال نفسه ألف سؤال
العجيب .. انها نزلت مسرعة ... وعندما هبطت أرض المحطة ... مشت بهدوء امامه وفي عينيها ابتسامه.)

ابتسمتُ مع ابتسامة المرأة المغادرة.. وكنتُ متيقنة أن لكل حكاية وشاية ما
أخبرتني أن ابتسامة المرأة نصف ليئمه .... ونصف منتصرة
وقد تكون ابتسامتي آنذاك تشبه ابتسامتها.. لكني مؤمنة أن الانتصار لحظة قصيرة يُسحب بساطها..

والأهم أن هناك مساحة في الحياة لا تحتاج داخلها خوض معارك ولا تحتاج نصراً ولا هزيمة..
أنه التواطؤ على فعل اللاشيء.

تلمستُ يديكَ وضممتها ليديا وأكملتُ..أربعة عشر..ثلاثة عشر..اثني عشرة..

لستُ غاضبة ولا عاتبة ولا حزينة لكني انخرطتُ في الضياع واصبحتُ أشعر بغربة من التيه..
أعلم أنك تحنو على صغيرتك ياصغيري وتخاف من نفسك وتخاف عليها وتخاف الفشل..وهي كذلك..
وأعلم أنه لا يوجد ما نختلف عليه أو نتخاصم من أجله.. ولا يوجد في المسافة القصيرة التي تفصلنا ما يحتاج التفسير.. أنت تراني وأنا أسمعكَ..
كما أن الوضوح أوقات يستدعي الحيرة..!

كل ما هناك أن الشوق محرض.. والحنين مؤلم.. والصمت مغري.. والأحاديث تتشابه.. والأوراق البيضاء وشاية.. والذاكرة مُتخمة.. وأنت تسكني..

حولتني وطن بينما كنت شجرة يا طير.

أريد يديكَ حتى أُكمل.. أحدى عشر..عشرة..تسعه..



16 ديسبمر 2012