الاثنين، 1 أبريل 2013

أرخميـــدس



خلال بحثي في " المنجد" مر اسم " أرخميدس " بشكل عرضي.. فولجتُ بعدها في ذاكرة تحنُّ لماضيٍ بعيدٍ..
تعود لقبل ستة عشر سنه حينما كنت في السادسة عشر من العمر..
كنتُ اجلس على مقاعد الدراسة في الصف الأول الثانوي في مدارس الأبناء بعيداً في أقصى شمال الجزيرة العربية حيث النفود.

ورغم أن الله حباني بذاكرة متراخية ليتلطف بقلبي.. أتذكر جيداً مشكلتي مع مادة الفيزياء..
لم أفهمها كانت عصيّة على عقلي كانت أكبر همومي ومنتهى حيرتي وأعظم الطلاسم التي رحتُ أبحث عن طريقة لفك رموزها .

وبعد أن أمتهنتُ التعليم بضع سنين مضت..علمتُ أن المعلم سبب رئيس في خلق تلك المنطقة العمياء والحرجة في عقل الطالب..
ذلك أن الحيرة لا تأتي إلا بمعية شخص ما يلج لحياتنا.. هي لا تولد من العدم..!
كانت مُعلمتي من جنسية مصرية تلبس رداءاً لونه أزرق غامق -كحلي- بأكمام طويلة وتضع منديلاً سماوي اللون على الأغلب..
ترتدي نظارة سميكة جداً بسلسلة حول رقبتها كنت أتمنى أن أرى عينيها دون النظارة حتى أعرف حجمها الأصلي حيث أنها كانت تظهر صغيرة جداً ولأن عينيها تظهر بهذه الطريقة كان يُخيل لي أنها لا تسمعني..!!
أقرءها السلام والامتنان وكذلك الإعتذار.


كنتُ أملك زمام المبادرة لإيجاد حل وعدم الإستسلام لحيرتي كنت أعلم أن الهروب الذي أجر ثوبي الطويل برفاهية على أرضه اليوم لن يأخذني لمكان..
كونت مجموعة من الصديقات وبدأنا تلخيص المنهج كل واحدة منهن تهتم بجزء ما بطريقة مرتبه التعريفات والتعليلات والرسومات والمسائل... وهكذا
وأوكلتُ لنفسي جمع التجارب وكل متعلقاتها وخُضت حرباً ضروس لتلخيصها ولا أذكر منها شيئاً الآن.. سوى أرخميدس والقلم الذي كتبت به في ذلك الوقت لأنه مازال بحوزتي..!
كانت أفضل طريقة للفوز بالمعارك " الهجوم " وكان هذا هجومي أن أحدد المنهج في وريقات أضمن فهمها وحفظها بطريقة صحيحه..
والتأكد من صحتها كان يحتاج فقط عرض الملخصات على المعلمة "أرشميدس" -كما كانت تنطقها- معلمة الفيزياء التي أقرتها لجميع الفصول وليس فقط مجموعتي.
إقرارها كان نصري الأكيد وليس فقط نجاحي في المادة..
إقرارها كان إلغاء للحيرة التي تلبسني في حضرتها وحضرة الفيزياء.


وأذكر أنيّ كنتُ ممتلئة بالتحدي في ذلك الوقت لا تكاد تُلحظ جُرئتي رغم أنها جامحة بين أضلعي..
دائما في المكان "المُصعد" كما يقول البرتو مورافيا يستحيل أن تتملكني رغبة أو نزوة لمكان "مُسفل"
شجاعتي وإنصافي لذاتي ولمن هم على شاكلتي من أصحاب العقول المتوسطة اللذين يجتهدون بصدق ولا يقبلون بالغش والتدليس..
جعلتني أقف في قاعة الإختبار لأفضح أكبر مجموعة غش في التاريخ الطلابي آن ذاك..!
أتذكر الدهشة على وجوههم حينما تحررتُ من كرسي صمتي لحظة الإختبار وتوجهتُ مُباشرة لمعلمة الرياضيات تلك المعلمة التي كانت تكتشف كل شقاوتي بمحض صدفة لا تتواطأ إلا لها..!
وأخذت شفتي وأصبعي تنتقل من اسم لرسم واحدة تلو الأخرى لتكشف عن أحدى عشرة فتاة أكبر عصابة غش (-:
حيث يتمثل تعاونهم في (نصرة أخوك ظالماً) بتقسيم المنهج بينهم في الإستذكار ثم الجلوس بطريقة مدروسة في القاعة تُسهل تبادل الأوراق فيما بينهم بخفه خرافيّة مُقتنين أقلام متشابهة ولديهم قدرة على تزوير الخط بإحتراف..!
كثيراً ما أنطلت حيلتهم هذه بدرجات عالية.

اكتسبتُ ستة عشر سنة إضافة لعمري وخسرتُ براعم شجاعتي ومواجهتي وصدقي وقدرتي على التحدي الحقيقي.. قُصفت بثقل السنين الزاحفة على حياتي..
تخليتُ عن اشتعالي القادر على مواجهة كل الظلام من حولي لأخبو تحت رماد الحكمة المتناثر.


ما عدتُ أعلم من أنا اليوم؟؟